حاول ابن حزم الاندلسي ان يكتب في الحب وفي تعريفه وتجلياته بكتابه “طوق الحمامة”:
وهو يقول فيه :” الحب ــ أعزك الله ــ أوله هزل وآخره جد دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف.اذ القلوب بيد الله عز وجل، وقد احب من الخلفاء والأئمة الراشدين كثير (….) وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه انه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع (….) وقد علمنا ان سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال، ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن ألا نقص من الصورة ونحن نجد كثيراً ممن يؤثر الأدني،ولا يجد محيداً لقلبه عنه” .
ويقول الناس ان الحب لا يعرف حدودا ولا زمنا ولا عمرا، قد يمر بنا ونمر به دون ان ندري، وقد يمر بنا فنقع فيه ولا نعرف الى الخلاص منه سبيلا.
في الحب، قالت العرب اكثر مما قال شعب اخر، على ان كل ما قيل فيه لا يتعدى التغني في الحب واوجاعه “آه م الحب ومن الي اخدني وجبني اليه”، و”حب ايه الي انت جاي تقول عليه، انت عارف ابلا معنى الحب ايه”، و”الشوق آه من الشوق”، و”احبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري”.
وتقول الناس ان الحب يموت بالزواج ويموت مع الوقت، وبعضهم يخالف بعضهم الرأي في هذا.
وبعض الناس تعتقد ان الحب لا يعرف ما نسيمه بالشخص المناسب، وحجتهم هي : كيف يمكن تفسير علاقات حب غريبة بين اشخاص متنافرين تقيم الخلافات بينهما ما اقام عسيب??.
ولأننا احفاد امرىء القيس، وقيس بن الملوح وعمر بن ابي ربيعة وجميل بثينة وكثير عزة وابن حزم وغيرهم، ولأن اسماعنا اعتادت على سماع “الحب كده، وهل اعجبك الشاي؟، اني خيرتك فختاري، وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان، الى اخر التوشيحة المازوسادية في الحب، لاننا كذلك، لا يمكن ان نتصور الحب بدون الالم والوجع والفراق فـ فالليالي بعد الظاعنين شكول طوال والليل العاشقين طوال.
ولكن، هل وصلت الى نتيجة مسبقة في مدونتي في الحكم على طريقة “حبنا”، ربما.
في الحب والحب العذري!!
يعتقد المفكر السوري صادق جلال العظم في كتابه “في الحب والحب العذري”، ان العلم بالحب قائم على التجربة الحية والمعانة الشخصية وان من مر بهذه التجربة سوف تغنيه عن اراء العلماء والفلاسفة في الحب الذين حاولوا جدلا او عبثا وضع تعريف محدد للحب.
على ان العظم يرى في انه، ان لم يكن ممكنا وضع تعريف محدد للحب، فاننا نستطيع الالمام بخصائصه، فهو يرى ان الحب غير الانجذاب الجنسي، وهذا الاخير يعطي انطباعا موهما للشخص بانه في حالة حب، فيما هو في الحقيقة تعبير عن كبت وجد متنفسا له بشخص ما مصادفة.
ويعتقد العظم في كتابه ان الحب قائم على التفكير، فكلما ابتعد الحبيب عن الانجذاب الجنسي الاول زاد تفكيرا وتقليبا في شخص المحبوب، وكلما احبه اكثر وتعمق فيه وجعله سيدا مسيطرا على حياته.
وهو يرى ان الحب، بعكس الزواج قائم على الاختيار الطوعي الحر، ففي الزواج نتنازل مكرهين للزوج بينما في العشق نتنازل طواعية عن جزء منا، كرمال عيون الحبيب.
ويفرق العظم بين الحب والصداقة على ما فيهما من خواص مشتركة كالمودة والثقة والتعاطف، الا ان الصداقة تفتقد الى صفة الشغف وانقياد العاشق للمعشوق او كليهما لبعضهما البعض، وهو ما يميز الحب عنده على الصداقة.
والعظم يذهب مذهب العرب ووسائل الاعلام الحديثة، فهو يعتبر ان كل حب خلده التاريخ هو ذاك الذي انتهى بسيل الدموع والبكاء على الاطلال، وليس ذاك الذي انتهى نهاية سعيدة كما في الافلام الاميركية، فالنهايات السعيدة لا تلهب خيال شكسبير او احسان عبدالقدوس او فلوبير او….الخ،ووسائل الاعلام لا تجد في غير العنف اخبارا تزودنا بها.
وفي نظر العظم ان مفارقة الحب تكمن في خاصتين: امتداده في الزمان، واشتداده. وفي الامتداد يرى انها خاصية شعورية لا يطالها التغيير النوعي الا ببطيء، وقد يتصادق شخصان في البداية ثم يقعان في الحب، وقد يعجبان بوجهات نظر بعضهما البعض فيتحولان الى حبيبين، واخيرا عندما تتسع هوة الخلاف بين المحبين ينفصلان او يتجهان الى الصداقة. مع ان الرأي السائد الذي اسمعه من الناس يقول بان من المستحيل تحول حبيبين الى صديقين.
اما عن امتداد الحب، فان العظم يرى بان علاقة هذه بالخاصية الاولى علاقة معقدة فقد يبرد جمر الحب مع الزمن وقد تنتهي علاقة الحب بالارتباط الزوجي، والزمن هو الي حيخلصلي ثاري، يعني الامر متوقف على الزمن عند مفكرنا.
ويرى العظم ان علاقات الحب “الحقيقية” في المجتمع تتناسب تناسبا طرديا مع الحرية، فكلما اتاح المجتمع للفرد حريته كان في وسعه الاختيار الصحيح، ولكن اتفقنا ان الحب اعمى، اليس كذلك؟؟؟.
ويرى العظم ان الحب ظاهرة روحية، لا تانيث فيها ولا تذكير الا مجازا، فالانسان منا يحمل في جوانيته صفات الانسان بشقيه. ويرى ايضا ان صراع العقل والعاطفة تزيد في المجتمعات المتخلفة، فالرجل مثلا في مجتمع كابت وضاغط يرى عيبا في البوح بمشاعره او حتى الاعتراف بوقوعه في الحب، كم رجلا منا يقول لزوجته او حبيبته “بحبك”؟؟؟. ويرى ايضا ان العشاق يزدادون تعلقا بعضهما بعضا، كلما زادت العراقيل امامهما، مجنون ليلى مثلا؟؟.
والحب العذري، حب اجدادنا الشعراء، هو عند العظم حالة مرضية خالصة، اما العواذل “العزال” والوشاة فهم يحافظون على قيم المجتمع.
والمحب العذري محب دونكيشوتي عند العظم، نسبة الى دونكيشوت، وهو شخص مازوشي، يتلذذ بالالم وتعذيب النفس، فهم يجعلون من دار الحبيبة كعبة طواف، وينسجون في عقولهم روايات واحلام ويحملون كلام الحبيب على غير مقاصده. وهم في النهاية لا يدوم “عشقهم” هذا الا ما بين ثلاث الى خمس سنوات.